الخامسة :- قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك قال الله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ فجعلها للركوب والزينة ولم يجعلها للأكل؛ ونحوه عن أشهب. ولهذا قال أصحابنا: لا يجوز أكل لحوم الخيل والبغال والحمير؛ لأن الله تعالى لما نص على الركوب والزينة دل على ما عداه بخلافه. وقال في "الأنعام" ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ مع ما امتن الله منها من الدفء والمنافع، فأباح لنا أكلها بالذكاة المشروعة فيها. وبهذه الآية احتج ابن عباس والحكم بن عيينة، قال الحكم: لحوم الخيل حرام في كتاب الله، وقرأ هذه الآية والتي قبلها وقال: هذه للأكل وهذه للركوب. وسئل ابن عباس عن لحوم الخيل فكرهها، وتلا هذه الآية وقال: هذه للركوب، وقرأ الآية التي قبلها ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ ثم قال: هذه للأكل. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم، واحتجوا بما أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد، أن رسول الله ﷺ نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير، وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير. لفظ الدارقطني. وعند النسائي أيضا عن خالد بن الوليد أنه سمع النبي ﷺ يقول: "لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ". وقال الجمهور من الفقهاء والمحدثين: هي مباحة. وروي عن أبي حنيفة. وشذت طائفة فقالت بالتحريم؛ منهم الحكم كما ذكرنا، وروي عن أبي حنيفة. حكى الثلاث روايات عنه الروياني في بحر المذهب على مذهب الشافعي.
قلت: الصحيح الذي يدل عليه النظر والخبر جواز أكل لحوم الخيل، وأن الآية والحديث لا حجة فيهما لازمة. أما الآية فلا دليل فيها على تحريم الخيل. إذ لو دلت عليه لدلت على تحريم لحوم الحمر، والسورة مكية، وأي حاجة كانت إلى تجديد تحريم لحوم الحمر عام خيبر وقد ثبت في الأخبار تحليل الخيل على ما يأتي. وأيضا لما ذكر تعالى الأنعام ذكر الأغلب من منافعها وأهم ما فيها، وهو حمل الأثقال والأكل، ولم يذكر الركوب ولا الحرث بها ولا غير ذلك مصرحا به، وقد تركب ويحرث بها؛ قال الله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا