بـ ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً﴾ وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال: إن أمرها بـ "قولي" إنما أريد به الإشارة. ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا: استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها على جهة التقرير ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً﴾ و"كان" هنا ليس يراد بها الماضي؛ لأن كل واحد قد كان في المهد صبيا، وإنما هي في معنى هو "الآن". وقال أبو عبيدة: "كان" هنا لغو؛ كما قال:
وجيران لنا كانوا كرام
وقيل: هي بمعنى الوجود والحدوث كقوله: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ وقد تقدم. وقال ابن الأنباري: لا يجوز أن يقال زائدة وقد نصبت "صبيا" ولا أن يقال "كان" بمعنى حدث، لأنه لو كانت بمعنى الحدوث والوقوع لاستغنى فيه عن الخبر، تقول: كان الحر وتكتفي به. والصحيح أن "من" في معنى الجزاء و"كان" بمعنى يكن؛ التقدير: من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه؟ ! كما تقول: كيف أعطي من كان لا يقبل عطية؛ أي من يكن لا يقبل. والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء؛ كقوله تعالى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ أي إن يشأ يجعل. وتقول: من كان إلي منه إحسان كان إليه مني مثله، أي من يكن منه إلي إحسان يكن إليه مني مثله. "والمهد" قيل: كان سريرا كالمهد وقيل "المهد" ههنا حجر الأم. وقيل: المعنى كيف نكلم من كان سبيله أن ينوم في المهد لصغره، فلما سمع عيسى عليه السلام كلامهم قال لهم من مرقده ﴿إِنِّي عبد اللَّهِ﴾ فقيل: كان عيسى عليه السلام يرضع فلما سمع كلامهم ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه، واتكأ على يساره، وأشار إليهم بسبابته اليمنى، و ﴿إِنِّي عبد اللَّهِ﴾ فكان أول ما نطق به الاعتراف بعبوديته لله تعالى وربوبيته، ردا على من غلا من بعده في شأنه. والكتاب الإنجيل؛ قيل: آتاه في تلك الحالة الكتاب، وفهمه وعلمه، وآتاه النبوة كما علم آدم