وذكر الماوردي أن عبد الله بن سليمان حكى؛ رأى على بعض ثيابه أثر صفرة؛ فأخذ من مداد الدواة وطلاه به، ثم قال: المداد بنا أحسن من الزعفران؛ وأنشد:

إنما الزعفران عطر العذارى ومداد الدوي عطر الرجال
الرابعة: قوله تعالى: ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ اختلف في معناه على أقوال خمسة: الأول: إنه ابتداء كلام، تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين وقد كان الكلام تم في قوله: ﴿فِي كِتَابٍ﴾. وكذا قال الزجاج، وأن معنى ﴿لا يَضِلُّ﴾ لا يهلك من قوله: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠]. ﴿وَلا يَنْسَى﴾ شيئا؛ نزهه عن الهلاك والنسيان. القول الثاني “لا يضل” لا يخطئ؛ قاله ابن عباس؛ أي لا يخطئ في التدبير، فمن أنظره فلحكمة أنظره، ومن عاجله فلحكمة عاجله. القول الثالث ﴿لا يَضِلُّ﴾ لا يغيب. قال ابن الأعرابي: أصل الضلال الغيبوبة؛ يقال: ضل الناسي إذا غاب عنه حفظ الشيء. قال: ومعنى ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ أي لا يغيب عنه شيء ولا يغيب عن شيء. القول الرابع: قاله الزجاج أيضا وقال النحاس أشبهها بالمعنى - أخبر الله عز وجل أنه لا يحتاج إلى كتاب؛ والمعنى لا يضل عنه علم شيء من الأشياء ولا معرفتها، ولا ينسى ما علمه منها.
قلت: وهذا القول راجع إلى معنى قول ابن الأعرابي. وقول خامس: إن ﴿لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾ في موضع الصفة لـ “كتاب” أي الكتاب غير ضال عن الله عز وجل؛ أي غير ذاهب عنه.
﴿وَلا يَنْسَى﴾ أي غير ناس له فهما نعتان لـ ﴿كِتَابٍ﴾. وعلى هذا يكون الكلام متصلا، ولا يوقف على ﴿كِتَابٍ﴾. تقول العرب. ضلني الشيء إذا لم أجده، وأضللته أنا إذا تركته في موضع فلم تجده فيه. وقرأ الحسن وقتادة وعيسى بن عمر وابن محيصن وعاصم الجحدري وابن كثير فيما روى شبل عنه ﴿لاَ يُضِلُّ﴾ بضم الياء على معنى لا يضيعه ربي ولا ينساه. قال ابن عرفة: الضلالة عند العرب سلوك سبيل غير القصد؛ يقال: ضل عن الطريق، وأضل الشيء إذا أضاعه. ومنه قرأ من قرأ ﴿لاَ يُضِلُّ ربي﴾ أي لا يضيع؛ هذا مذهب العرب.


الصفحة التالية
Icon