ذكر الشوق وصدقه إلى ابتغاء الرضا. ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ قال: شوقا. وكانت عائشة رضي الله عنها إذا آوت إلى فراشها تقول: هاتوا المجيد. فتؤتى بالمصحف فتأخذه في صدرها وتنام معه تتسلى بذلك؛ رواه سفيان عن معسر عائشة رضي الله عنها. وكان عليه الصلاة والسلام إذا أمطرت السماء خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول: "إنه حديث عهد بربي" فهذا من الرسول ﷺ وممن بعده من قبيل الشوق؛ ولذلك قال الله تبارك اسمه فيما يروى عنه: “طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق”. قال ابن عباس: كان الله عالما ولكن قال :﴿وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ﴾ رحمة لموسى، وإكراما له بهذا القول، وتسكينا لقلبه، ورقة عليه؛ فقال مجيبا لربه: ﴿هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي﴾. قال أبو حاتم قال عيسى: بنو تميم يقولون: ﴿هُمْ أولَى﴾ مقصورة مرسلة، وأهل الحجاز يقولون “أولاءِ” ممدودة. وحكى الفراء ﴿هم أُولايَ عَلَى أَثَرِي﴾ وزعم أبو إسحاق الزجاج: أن هذا لا وجه له. قال النحاس وهو كما قال: لأن هذا ليس مما يضاف فيكون مثل هداي. ولا يخلو من إحدى جهتين: إما أن يكون اسما مبهما فإضافته محال؛ وإما أن يكون بمعنى الذين فلا يضاف أيضا؛ لأن ما بعده من تمامه وهو معرفة. وقرأ ابن أبي إسحاق ونصر ورويس عن يعقوب “عَلى إِثْرِي” بكسر الهمزة وإسكان الثاء وهو بمعنى أثر، لغتان. ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ أ عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني. يقال: رجل عجل وعجل وعجول وعجلان بين العجلة؛ والعجلة خلاف البطء.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ﴾ أي اختبرناهم وامتحناهم بأن يستدلوا على الله عز وجل. ﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ أي دعاهم إلى الضلالة أو هو سببها. وقيل: فتناهم ألقيناهم في الفتنة: أي زينا لهم عبادة العجل؛ ولهذا قال موسى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان السامري من قوم يعبد ون البقر، فوقع بأرض مصر فدخل في دين بني إسرائيل بظاهره، وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر. وقيل: كان رجلا


الصفحة التالية