عنه. وعلى هذا أكثر العلماء. وقيل: ﴿لا عِوَجَ لَهُ﴾ أي لدعائه. وقيل: يتبعون الداعي اتباعا لا عوج له؛ فالمصدر مضمر؛ والمعنى: يتبعون صوت الداعي للمحشر؛ نظيره: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [ق: ٤١] الآية. وسيأتي. ﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ﴾ أي ذلت وسكنت؛ عن ابن عباس قال: لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع، فكل لسان ساكت هناك للهيبة. ﴿لِلرَّحْمَنِ﴾ أي من أجله. ﴿فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً﴾ الهمس الصوت الخفي؛ قاله مجاهد. عن ابن عباس: الحس الخفي. الحسن وابن جريج: هو صوت وقع الأقدام بعضها على بعض إلى المحشر؛ ومنه قول الراجز:
وهن يمشين بنا هميسا
يعني صوت أخفاف الإبل في سيرها. ويقال للأسد الهموس؛ لأنه يهمس في الظلمة؛ أي يطأ وطأ خفيا. قال رؤية يصف نفسه بالشدة:

ليث يدق الأسد الهموسا والأقهبين الفيل والجاموسا
وهمس الطعام؛ أي مضغه وفوه منضم؛ قال الراجز:
لقد رأيت عجبا مذ أمسا عجائزا مثل السعالي خمسا
يأكلن ما أصنع همسا همسا
وقيل: الهمس تحريك الشفة واللسان. وقرأ أبي بن كعب ﴿فَلاَ يَنْطِقُونَ إلاَّ هَمْساً﴾. والمعنى متقارب؛ أي لا يسمع لهم نطق ولا كلام ولا صوت أقدام. وبناء “هـ م س” أصله الخفاء كيفما تصرف؛ ومنه الحروف المهموسة، وهي عشرة يجمعها قولك: “حثه شخص فسكت” وإنما سمي الحرف مهموسا لأنه ضعف الاعتماد من موضعه حتى جرى معه النفس.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ ﴿مَنْ﴾ في موضع نصب على الاستثناء الخارج من الأول؛ أي لا تنفع الشفاعة أحدا إلا شفاعة من أذن له الرحمن. ﴿وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾ أي رضي قوله في الشفاعة. وقيل: المعنى، أي إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع له، وكان له قول يرضي. قال ابن عباس: هو قول لا إله إلا الله.


الصفحة التالية
Icon