ابن حبيب: إنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود. النحاس: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ في معناه قولان: أحدهما: أن هذا في الآخرة. وروى عكرمة عن ابن عباس ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ قال: الركوع والسجود؛ ومعنى ﴿عَنَتِ﴾ اللغة القهر والغلبة؛ ومنه فتحت البلاد عنوة أي غلبة؛ قال الشاعر:

فما أخذوها عنوة عن مودة ولكن ضرب المشرفي استقالها
وقيل: هو من العناء بمعنى التعب؛ وكنى عن الناس بالوجوه؛ لأن أثار الذل إنما تتبين في الوجه. ﴿لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ وفي القيوم ثلاث تأويلات؛ أحدهما: أنه القائم بتدبير الخلق. الثاني : أنه القائم على كل نفس بما كسبت. الثالث: أنه الدائم الذي لا يزول ولا يبيد. وقد مضى في "البقرة". ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً﴾ أي خسر من حمل شركا.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ لأن العمل لا يقبل من غير إيمان.
و ﴿مِنْ﴾ في قوله ﴿مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ للتبعيض؛ أي شيئا من الصالحات. وقيل للجنس. ﴿فَلا يَخَافُ﴾ قرأ ابن كثير ومجاهد وابن محيص ﴿يَخَف﴾ بالجزم جوابا لقوله: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ﴾. الباقون ﴿يَخَافُ﴾ رفعا على الخبر؛ أي فهو لا يخاف؛ أو فإنه لا يخاف. ﴿ظُلْماً﴾ أي نقصا لثواب طاعته، ولا زيادة عليه في سيئاته. ﴿وَلا هَضْماً﴾ بالانتقاص من حقه. والهضم النقص والكسر؛ يقال: هضمت ذلك من حقي أي حططته وتركته. وهذ يهضم الطعام أي ينقص ثقله. وامرأة هضيم الكشح ضامرة البطن. الماوردي: والفرق بين الظلم والهضم أن الظلم المنع من الحق كله، والهضم المنع من بعضه، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه؛ قال المتوكل الليثي:
إن الأذلة واللئام لمعشر مولاهم المتهضم المظلوم
قال الجوهري ورجل هضيم ومهتضم أي مظلوم. وتهضمه أي ظلمه واهتضمه إذا ظلمه وكسر عليه حقه.


الصفحة التالية
Icon