وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعدهم بالعذاب المؤجل، ثم أمر نبيه بالاحتقار لشأنهم، والصبر على أقوالهم، والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم من الدنيا؛ إذ ذلك منصرم عنهم صائر إلى خزي.
قلت: وكذلك ما روي عنه عليه السلام أنه مر بابل بني المصطلق وقد عبست في أبوالها [وأبعارها] من السمن فتقنع بثوبه ثم مضى، لقوله عز وجل: ﴿وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ﴾ الآية. ثم سلاه فقال: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أي ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا أولى؛ لأنه يبقى والدنيا تفنى. وقيل: يعني بهذا الرزق ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم.
قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ﴾ أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ويمتثلها معهم، ويصطبر عليها ويلازمها. وهذا خطاب للنبي ﷺ ويدخل في عمومه جميع أمته؛ وأهل بيته على التخصيص. وكان عليه السلام بعد نزول هذه الآية يذهب كل صباح إلى بيت فاطمة وعلي رضوان الله عليهما فيقول "الصلاة". ويروى أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزل فدخله، وهو يقرأ ﴿وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ﴾ الآية إلى قوله: ﴿وَأَبْقَى﴾ ثم ينادي بالصلاة الصلاة يرحمكم الله؛ ويصلي. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي وهو يتمثل بالآية.
قوله تعالى: ﴿لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً﴾ أي لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم، وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق، بل نحن نتكفل برزقك وإياهم، فكان عليه السلام إذا نزل بأهله ضيق أمرهم بالصلاة. وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعبد ونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ [الذاريات ٥٦]. ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ أي الجنة لأهل التقوى؛ يعني العاقبة المحمودة. وقد تكون لغير التقوى عاقبة ولكنها مذمومة فهي كالمعدومة.


الصفحة التالية
Icon