وأبو جعفر وابن عامر وحفص وروح ﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ بالتاء ردا على الصفة. وقيل: على اللبوس والمنعة التي هي الدروع. وقرأ شيبة وأبو بكر والمفضل ورويس وابن أبي إسحاق ﴿لِنُحْصِنَكُمْ﴾ بالنون لقوله: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ﴾. وقرأ الباقون بالياء جعلوا الفعل للبوس، أو يكون المعنى ليحصنكم الله. ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ أي على تيسير نعمة الدروع لكم. وقيل: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ بأن تطيعوا رسولي.
هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وهو قول أهل العقول والألباب، لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء، فالسبب سنة الله في خلقه فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة، ونسب من ذكرنا إلى الضعف وعدم المنة. وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع، وكان أيضا يصنع الخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا، ونوح نجارا، ولقمان خياطا، وطالوت دباغا. وقيل: سقاء؛ فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس، ويدفع. بها عن نفسه الضرر والباس. وفي الحديث: "إن الله يحب المؤمن المحترف الضعيف المتعفف ويبغض السائل الملحف". وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة “الفرقان” وقد تقدم في غير ما آية، وفيه كفاية والحمد لله.
الآيتان: ٨١ - ٨٢ ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ، وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً﴾ أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفة، أي شديدة الهبوب. يقال منه: عصفت الريح أي اشتدت فهي ريح عاصف وعصوف. وفي لغة بني أسد: أعصفت الريح فهي معصفة ومعصفة. والعصف التبن فسمي به شدة الريح؛


الصفحة التالية
Icon