ليس في جهة. وقد تقدم هذا المعنى في “البقرة” و”الأعراف”. ﴿أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ يريد فيما خالف فيه من ترك مداومة قومه والصبر عليهم وقيل: في الخروج من غير أن يؤذن له. ولم يكن ذلك من الله عقوبة؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا، وإنما كان ذلك تمحيصا. وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان؛ ذكره الماوردي. وقيل: من الظالمين في دعائي على قومي بالعذاب. وقد دعا نوح على قومه فلم يؤاخذ. وقال الواسطي في معناه: نزه ربه عن الظلم وأضاف الظلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا. ومثل هذا قول آدم وحواء: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف: ٢٣] إذ كانا السبب في وضعهما أنفسهما في غير الموضع الذي أنزلا فيه.
الثانية: روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي ﷺ قال: "دعاء ذي النون في بطن الحوت ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له" وقد قيل: إنه اسم الله الأعظم ورواه سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الخبر: في هذه الآية شرط الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه كما به وينجيه كما أنجاه، وهو قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ وليس ههنا صريح دعاء وهو وإنما هو مضمون قوله: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فاعترف بالظلم فكان تلويحا.
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم. وذلك قوله: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: ١٤٣ - ١٤٤] وهذا حفظ من الله عز وجل لعبد ه يونس رعى له حق تعبد ه، وحفظ زمام ما سلف له من الطاعة. وقال الأستاذ أبو إسحاق: صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلي يوم القيامة يقال له ذو النون، فما ظنك بعيد عبد ه سبعين سنة يبطل هذا عنده! لا يظن به ذلك. ﴿الْغَمِّ﴾ أي من بطن الحوت. قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ قراءة العامة بنونين من أنجي ينجي. وقرأ ابن عامر ﴿نجّيْ﴾ بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر أي وكذلك نجي النجاء المؤمنين؛ كما تقول: ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا وأنشد:


الصفحة التالية
Icon