قال الله تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ [التكوير: ١ - ٢] ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ [التكوير: ١١]. ﴿لِلْكِتَابَ﴾ وتم الكلام. وقراءة الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحي وخلف: ﴿لِلْكُتُبِ﴾ جمعا ثم استأنف الكلام فقال: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ أي نحشرهم حفاة عراة غرلا كما بدؤوا في البطون. وروى النسائي عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: "يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام - ثم قرأ – ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ أخرجه مسلم أيضا عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام" وذكر الحديث. وقد ذكرنا هذا الباب في كتاب “التذكرة” مستوفى. وذكر سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود قال: يرسل الله عز وجل ماء من تحت العرش كمني الرجال فتنبت منه لحمانهم وجسمانهم كما تنبت الأرض بالثرى. وقرأ ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾. وقال ابن عباس: المعنى. نهلك كل شيء ونفنيه كما كان أول مرة؛ وعلى هذا فالكلام متصل بقوله: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ﴾ أي نطويها فنعيدها إلى الهلاك والفناء فلا تكون شيئا. وقيل: نفني السماء ثم نعيدها مرة أخرى بعد طيها وزوالها؛ كقول: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨] والقول الأول أصح وهو نظير قوله: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤] وقوله عز وجل: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ﴿وَعْداً﴾ نصب على المصدر؛ أي وعدنا وعدا ﴿عَلَيْنَا﴾ إنجازه والوفاء به أي من البعث والإعادة ففي الكلام حذف. ثم أكد ذلك بقول جل ثناؤه: ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قال الزجاج: معنى ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ إنا كنا قادرين على ما نشاء. وقيل ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ أي ما وعدناكم وهو كما قال: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً﴾ [المزمل: ١٨]. وقيل: ﴿كَانَ﴾ للإخبار بما سبق من قضائه. وقيل: صلة.


الصفحة التالية
Icon