وقال إبراهيم النخعي نحوه. وفي مصنف أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله". وروى أن محدودا تزوج غير محدودة ففرق علي رضي الله عنه بينهما. قال ابن العربي: وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا، وهل يصح أن يوقف نكاح من حد من الرجال على نكاح من حد من النساء فبأي أثر يكون ذلك، وعلى أي أصل يقاس من الشريعة.
قلت: وحكى هذا القول الكِيَا عن بعض أصحاب الشافعي المتأخرين، وأن الزاني إذا تزوج غير زانية فرق بينهما لظاهر الآية. قال الكيا: وإن هو عمل بالظاهر فيلزمه عليه أن يجوز للزاني التزوج بالمشركة، ويجوز للزانية أن تزوج نفسها من مشرك؛ وهذا في غاية البعد، وهو خروج عن الإسلام بالكلية، وربما قال هؤلاء: إن الآية منسوخة في المشرك خاص دون الزانية.
السادس: أنها منسوخة؛ روى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ قال: نسخت هذه الآية التي بعدها ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢]؛ وقاله ابن عمرو، قال: دخلت الزانية في أيامى المسلمين. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول عليه أكثر العلماء. وأهل الفتيا يقولون: إن من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها. وهو قول ابن عمر وسالم وجابر بن زيد وعطاء وطاوس ومالك بن أنس وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي: القول فيها كما قال سعيد بن المسيب، إن شاء الله هي منسوخة. قال ابن عطية: وذكر الإشراك في هذه الآية يضعف هذه المناحي. قال ابن العربي: والذي عندي أن النكاح لا يخلو أن يراد به الوطء كما قال ابن عباس أو العقد؛ فإن أريد به الوطء فإن معناه: لا يكون زنى إلا بزانية، وذلك عبارة عن أن الوطأين من الرجل والمرأة زنى من الجهتين؛ ويكون تقدير الآية: وطء الزانية لا يقع إلا من زان أو مشرك؛ وهذا يؤثر عن ابن عباس، وهو معنى صحيح.


الصفحة التالية
Icon