السادسة عشرة: هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها، إلا أنك تسلم إذا دخلت. قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليهم. فإن كان فيه معك أمك أو أختك فقالوا: تنحنح واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك؛ لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها. وأما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها. قال ابن القاسم قال مالك: ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما. وقد روى عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال "نعم" قال: إني أخدمها؟ قال: "استأذن عليها" فعاوده ثلاثا؛ قال "أتحب أن تراها عريانة" ؟ قال لا؛ قال: "فاستأذن عليها" ذكره الطبري.
السابعة عشرة: فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد؛ فقال علماؤنا: يقول السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات، لله السلام. رواه ابن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسنده ضعيف. وقال قتادة: إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنه يؤمر بذلك. قال: وذكر لنا أن الملائكة ترد عليهم. قال ابن العربي: والصحيح ترك السلام والاستئذان، والله أعلم.
قلت: قول قتادة حسن.
الآية: ٢٨ ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾
فيه أربع مسائل:-
الأولى: قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً﴾ الضمير في ﴿تَجِدُوا فِيهَا﴾ للبيوت التي هي بيوت الغير. وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال: معنى قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً﴾ أي لم يكن لكم فيها متاع. وضعف الطبري هذا التأويل، وكذلك هو في غاية الضعف؛ وكأن مجاهدا رأى أن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن إذا كان للداخل فيها متاع.