الثامنة عشرة: قوله تعالى: ﴿وَإِقَامِ الصَّلاةِ﴾ هذا يدل على أن المراد بقوله "عن ذكر الله" غير الصلاة؛ لأنه يكون تكرارا. يقال: أقام الصلاة إقامة، والأصل إقواما فقلبت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفا وبعدها ألف ساكنة فحذفت إحداهما، وأثبتت الهاء لئلا تحذفها فتجحف، فلما أضيفت قام المضاف مقام الهاء فجاز حذفها، وإن لم تضف لم يجز حذفها؛ ألا ترى أنك تقول: وعد عدة، ووزن زنة، فلا يجوز حذف الهاء، لأنك قد حذفت واوا؛ لأن الأصل وعد وعدة، ووزن وزنة، فإن أضفت حذفت الهاء، وأنشد الفراء:

إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا
يريد عدة، فحذف الهاء لما أضاف. وروي من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الله يوم القيامة بمساجد الدنيا كأنها نجب بيض قوائمها من العنبر وأعناقها من الزعفران ورؤوسها من المسك وأزمتها من الزبرجد الأخضر وقوامها والمؤذنون فيها يقودونها وأئمتها يسوقونها وعمارها متعلقون بها فتجوز عرصات القيامة كالبرق الخاطف فيقول أهل الموقف هؤلاء ملائكة مقربون أو أنبياء مرسلون فينادى ما هؤلاء بملائكة ولا أنبياء ولكنهم أهل المساجد والمحافظون على الصلوات من أمة محمد صلى الله عليه وسلم". وعن علي رضي الله عنه أنه قال: "يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، يعمرون مساجدهم وهي من ذكر الله خراب، شر أهل ذلك الزمن علماؤهم، منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود" يعني أنهم يعلمون ولا يعملون بواجبات ما علموا.
التاسعة عشرة: قوله تعالى: ﴿وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ قيل: الزكاة المفروضة؛ قاله الحسن. وقال ابن عباس: الزكاة هنا طاعة الله تعالى والإخلاص؛ إذ ليس لكل مؤمن مال. ﴿يَخَافُونَ يَوْماً﴾ يعني يوم القيامة. ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ يعني من هوله وحذر الهلاك. والتقلب التحول، والمراد قلوب الكفار وأبصارهم. فتقلب القلوب انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر، فلا هي ترجع إلى أماكنها ولا هي تخرج. وأما تقلب الأبصار فالزرق بعد الكحل والعمى بعد البصر. وقيل: تتقلب القلوب بين الطمع في النجاة والخوف من


الصفحة التالية
Icon