الخامسة- قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ لم يختلف القراء في رفع ﴿وَالشُّعَرَاءُ﴾ فيما علمت. ويجوز النصب على إضمار فعل يفسره ﴿يَتَّبِعُهُمُ﴾ وبه قرأ عيسى بن عمر؛ قال أبو عبيد: كان الغالب عليه حب النصب؛ قرأ ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨] و ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ [المسد: ٤] و ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا﴾ [النور: ١]. وقرأ نافع وشيبة والحسن والسلمي: ﴿يَتَّبِعُهُمُ﴾ مخففا. الباقون ﴿يَتَّبِعُهُمُ﴾. وقال الضحاك: تهاجى رجلان أحدهما أنصاري والآخر مهاجري على عهد رسول الله ﷺ مع كل واحد غواة قومه وهم السفهاء فنزلت؛ وقاله ابن عباس. وعنه هم الرواة للشعر. وروى عنه علي بن أبي طلحة أنهم هم الكفار يتبعهم ضلال الجن والإنس؛ وقد ذكرناه. وروى غضيف عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه" وعن ابن عباس أن النبي ﷺ لما افتتح مكة رن إبليس رنة وجمع إليه ذريته؛ فقال ايئسوا أن تريدوا أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا ولكن أفشوا فيهما - يعني مكة والمدينة - الشعر.
السادسة- قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ يقول: في كل لغو يخوضون، ولا يتبعون سنن الحق؛ لأن من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت، ولم يكن هائما يذهب على وجهه لا يبالي ما قال. نزلت في عبدالله بن الزبعرى ومسافع بن عبد مناف وأمية بن أبي الصلت. ﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ﴾ يقول: أكثرهم يكذبون؛ أي يدلون بكلامهم على الكرم والخير ولا يفعلونه. وقيل: إنها نزلت في أبي عزة الجمحي حيث قال:

ألا أبلغا عني النبي محمدا بأنك حق والمليك حميد
ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله تأوه مني أعظم وجلود
ثم استثنى شعر المؤمنين: حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن كان على طريقهم من القول الحق؛ فقال: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً﴾ في كلامهم ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ وإنما يكون الانتصار بالحق،


الصفحة التالية
Icon