وقيل: ﴿فِي أُمِّهَا﴾ يعني في أعظمها ﴿رَسُولاً﴾ ينذرهم. وقال الحسن: في أوائلها.
قلت: ومكة أعظم القرى لحرمتها وأولها، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ وخصت بالأعظم لبعثة الرسول فيها؛ لأن الرسل تبعث إلى الأشراف وهم يسكنون المدائن وهي أم ما حولها. وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة ﴿يوسف﴾. ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ ﴿يَتْلُو﴾ في موضع الصفة أي تاليا أي يخبرهم أن العذاب ينزل بهم إن لم يؤمنوا ﴿آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى﴾ سقطت النون للإضافة مثل ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ ﴿إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ أي لم أهلكهم إلا وقد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم وفي هذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم أخبر تعالى أنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الإهلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة والإلزام ببعثة الرسل، ولا يجعل علمه بأحوالهم حجة عليهم ونزه ذاته أن يهلكهم وهم غير ظالمين، كما قال عز من قائل: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ فنص في قوله ﴿بِظُلْمٍ﴾ على أنه لو أهلكهم وهم مصلحون لكان ذلك ظلما لهم منه، وإن حاله في غناه وحكمته منافية للظلم، دل على ذلك بحرف النفي مع لامه كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ يا أهل مكة ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا﴾ أي تتمتعون بها مدة حياتكم، أو مدةً في حياتكم، فإما أن تزولوا عنها أو تزول عنكم. ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ أي أفضل وأدوم، يريد الدار الآخرة وهي الجنة. ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أن الباقي أفضل من الفاني قرأ أبو عمرو: ﴿يعقلون﴾ بالياء الباقون بالتاء على الخطاب وهو الاختيار لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ﴾. قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ﴾ يعني الجنة وما فيها من الثواب. ﴿كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ فأعطي منها بعض ما أراد. ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ أي في النار ونظيره قوله: {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ


الصفحة التالية
Icon