يقول: "من حوسب هلك" فقلت: يا نبي الله، فأين قوله جل وعز: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ﴾ قال :"إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك". وهذا إسناد صحيح، وشرحه: أن الكافر يكافأ على أعماله ويحاسب عليها ويحبط ما عمل من خير؛ ويبين هذا قوله تعالى في الأول: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ﴾ وفي الثاني: ﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ ومعنى ﴿يُجَازى﴾ : يكافأ بكل عمل عمله، ومعنى ﴿جزيناهم﴾. وفيناهم؛ فهذا حقيقة اللغة، وإن كان ﴿جازى﴾ يقع بمعنى ﴿جزى﴾. مجازا.
الآية: [١٨] ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ﴾
قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً ﴾ قال الحسن: يعني بين اليمن والشأم. والقرى التي بورك فيها: الشام والأردن وفلسطين. والبركة: قيل إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية بورك فيها بالشجر والثمر والماء. ويحتمل أن يكون ﴿ بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ بكثرة العدد. ﴿ قُرىً ظَاهِرَةً ﴾ قال ابن عباس: يريد بين المدينة والشام. وقال قتادة: معنى ﴿ ظَاهِرَةً ﴾: متصلة على طريق، يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية. وقيل: كان على كل ميل قرية بسوق، وهو سبب أمن الطريق. قال الحسن: كانت المرأة تخرج معها مغزلها وعلى رأسها مكتلها ثم تلتهي بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من كل الثمار، فكان ما بين الشام واليمن كذلك. وقيل ﴿ ظَاهِرَةً ﴾ أي مرتفعة، قال المبرد. وقيل: إنما قيل لها ﴿ ظَاهِرَةً ﴾ لظهورها، أي إذا خرجت عن هذه ظهرت لك الأخرى، فكانت قرى ظاهرة أي معروفة، يقال: هذا أمر ظاهر أي معروف. ﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ﴾ أي جعلنا السير بين قراهم وبين القرى التي باركنا فيها سيرا مقدرا من منزل إلى منزل، ومن قرية إلى قرية، أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية والمبيت في قرية أخرى. وإنما يبالغ الإنسان في السير لعدم الزاد والماء


الصفحة التالية
Icon