قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ فيه أربع قراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر ويروى عن مجاهد، ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ ﴾ بالتخفيف ﴿ إِبْلِيسُ ﴾ بالرفع ﴿ ظَنَّهُ ﴾ بالنصب؛ أي في ظنه. قال الزجاج: وهو على المصدر أي "صدق عليهم ظنا ظنه إذ صدق في ظنه؛ فنصب على المصدر أو على الظرف. وقال أبو علي: ﴿ ظَنَّه ﴾ نصب لأنه مفعول به؛ أي صدق الظن الذي ظنه إذ قال: ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ وقال: ﴿ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ ؛ ويجوز تعدية الصدق إلى المفعول به، ويقال: صدق الحديث، أي في الحديث. وقرأ ابن عباس يحيى بن وثاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: ﴿صدق﴾ بالتشديد ﴿ ظَنَّه ﴾ بالنصب بوقوع الفعل عليه. قال مجاهد: ظن ظنا فكان كما ظن فصدق ظنه. وقرأ جعفر بن محمد وأبو الهجهاج ﴿صدَق عليهم﴾ بالتخفيف ﴿إبليسَ﴾ بالنصب ﴿ ظَنَّه ﴾ بالرفع. قال أبو حاتم: لا وجه لهذه القراءة عندي، والله تعالى أعلم. وقد أجاز هذه القراءة الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل ﴿صدق﴾ ﴿إبليسَ﴾ مفعول به؛ والمعنى: أن إبليس سول له ظنه فيهم شيئا فصدق ظنه، فكأنه قال: ولقد صدق عليهم ظن إبليس. و﴿على﴾ متعلقة بـ ﴿صدق﴾، كما تقول: صدقت عليك فيما ظننته بك، ولا تتعلق بالظن لاستحالة تقدم شيء. من الصلة على الموصول. والقراءة الرابعة: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ برفع إبليس والظن، مع التخفيف في ﴿صدق﴾ على أن يكون ظنه بدلا من إبليس وهو بدل الاشتمال. ثم قيل: هذا في أهل سبأ، أي كفروا وغيروا وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين إلا قوما منهم آمنوا برسلهم. وقيل: هذا عالم، أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى؛ قال مجاهد. وقال الحسن: لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس قال إبليس: أما إذ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف! فكان ذلك ظنا من إبليس، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾. وقال ابن عباس: إن إبليس قال: خلقت من نار وخلق آدم من طين


الصفحة التالية
Icon