اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } مضافا حذف كما حذف المضاف في ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ أي اصطفينا دينهم فبقى اصطفيناهم؛ فحذف العائد إلى الموصول كما حذف في قوله: ﴿ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ ﴾ أي تزدريهم، فالاصطفاء إذا موجه إلى دينهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ ﴾ قال النحاس: وقوله ثالث: يكون الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته؛ فيكون: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾ للذين سبقوا بالخيرات لا غير. وهذا قول جماعة من أهل النظر؛ لأن الضمير في حقيقة النظر بما يليه أولى.
قلت: القول الوسط أولاها وأصحها إن شاء الله؛ لأن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد الله، ولا اصطفى دينهم. وهذا قول ستة من الصحابة، وحسبك. وسنزيده بيانا وإيضاحا في باقي الآية.
الثانية- قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ﴾ أي أعطينا. والميراث، عطاء حقيقة أو مجازا؛ فإنه يقال فيما صار للإنسان بعد موت آخر. و ﴿ الْكِتَابَ ﴾ ها هنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد صلى القرآن، وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة، فكأنه ورث أمة محمد عليه السلام الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا. ﴿ اصْطَفَيْنَا ﴾ أي اخترنا. واشتقاقه من الصفو، وهو الخلوص من شوائب الكدر. وأصله اصتفونا، فأبدلت التاء طاء والواو ياء. ﴿ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قيل المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس وغيره. وكان اللفظ يحتمل جميع المؤمنين من كل أمة، إلا أن عباره توريث الكتاب لم تكن إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وورث سليمان يرثوه. وقيل: المصطفون الأنبياء، توارثوا الكتاب بمعنى أنه انتقل عن بعضهم إلى آخر، قال الله تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ﴾ وقال: ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ فإذا جاز أن تكون النبوة موروثة فكذلك الكتاب. ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾ من وقع في صغيرة. قال ابن عطية: وهذا