قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم، ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم. ﴿ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ مثل: ﴿ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى ﴾ ﴿ وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ﴾ مثل: ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ أي كافر بالله ورسوله. وقرأ الحسن ﴿ فَيَمُوتُون ﴾ بالنون، ولا يكون للنفي حينئذ جواب، ويكون ﴿ فَيَمُوتُون ﴾ عطفا على ﴿يُقْضَى﴾ تقديره لا يقضى عليهم ولا يموتون؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ قال الكسائي: ﴿ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ بالنون في المصحف لأنه رأس آية ﴿ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ لأنه ليس رأس آية. للجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه. ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ أي يستغيثون في النار بالصوت العالي. والصراخ الصوت العالي، والصارخ المستغيث، والمصرخ المغيث. قال:

كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب
﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا ﴾ أي يقولون ربنا أخرجنا من جهنم وردنا إلى الدنيا. ﴿نَعْمَلْ صَالِحاً﴾ قال ابن عباس: أي نقل: لا إله إلا الله. ﴿ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ أي من الشرك، أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل. ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ ﴾ هذا جواب دعائهم؛ أي فيقال لهم، فالقول مضمر. وترجم البخاري: "باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر لقوله عز وجل ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ يعني الشيب" حدثنا عبدالسلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة". قال الخطابي: "أعذر إليه" أي بلغ به أقصى العذر، ومنه قولهم: قد


الصفحة التالية
Icon