العرب "من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا" وروى الزهري أن النبي ﷺ قال: "لا تمكر ولا تعن ماكرا فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾، ولا تبغ ولا تعن باغيا فإن الله تعالى يقول: ﴿ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ وقال بعض الحكماء:

يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى تحصي المصائب وتنسى النعم
وفي الحديث "المكر والخديعة في النار". فقوله: "في النار" يعني في الآخرة تدخل أصحابها في النار؛ لأنها من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في سياق هذا الحديث: "وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة". وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة.
قوله تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّض سُنَّتَ الأَوَّلِينَ ﴾ أي إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين. ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ أي أجرى الله العذاب على الكفار، وجعل ذلك سنة فيهم، فهو يعذب بمثله من استحقه، لا يقدر أحد أن يبدل ذلك، ولا أن يحول العذاب عن نفسه إلى غيره. والسنة الطريقة، والجمع سنن. وقد مضى في ﴿آل عمران﴾ وأضافها إلى الله عز وجل. وقال في موضع آخر: ﴿سنة سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا ﴾ فأضاف إلى القوم لتعلق الأمر بالجانبين؛ وهو كالأجل، تارة يضاف إلى الله، تارة إلى القوم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ﴾ وقال: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ﴾
الآية: [٤٤] ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ﴾


الصفحة التالية
Icon