وهذا دليل على أن الغناء محظور؛ إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم. وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي خمر لأيتام؟ فقال: "أرِقْها". فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى. قال الطبري: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه. وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيدالله العنبري؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم. ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية". قال أبو الفرج: وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المغني والرقاص.
قلت: وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز. وقد ادعى أبو عمر بن عبدالبر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك. وقد مضى في الأنعام عند قوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ وحسبك
الرابعة- قال القاضي أبو بكر بن العربي: وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته؛ إذ ليس شيء منها عليه حراما لا من ظاهرها ولا من باطنها، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها. أما أنه لا يجوز انكشاف النساء للرجال ولا هتك الأستار ولا سماع الرفث، فإذا خرج ذلك إلى ما لا يحل ولا يجوز منع من أوله واجتث من أصله. وقال أبو الطيب الطبري: أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز، سواء كانت حرة أو مملوكة. قال: وقال الشافعي: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته؛ ثم غلظ القول فيه فقال: فهي دياثة. وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها.
الخامسة- قوله تعالى: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قراءة العامة بضم الياء؛ أي ليضل غيره عن طريق الهدى، وإذا أضل غيره فقد ضل. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن أبي إسحاق "بفتح الياء" على اللازم؛ أي ليضل هو نفسه.