الثالثة- قوله تعالي: ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ قال ابن عباس: من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره. وقيل: إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور؛ أي مما عزمه الله وأمر به؛ قاله ابن جريج. ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة. وقول ابن جريج صوب.
الآية: [١٨] ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾
فيه ثلاث مسائل:
الأولي- قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن: ﴿تصاعر﴾ بالألف بعد الصاد. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد: ﴿تُصَعِّرْ﴾ وقرأ الجحدري: ﴿تُصْعر﴾ بسكون الصاد؛ والمعنى متقارب. والصعر: الميل؛ ومنه قول الأعرابي: وقد أقام الدهر صعري، بعد أن أقمت صعره. ومنه قول عمرو بن حنّي التغلبي:
وكنا إذا الجبار صعر خده | أقمنا له من ميله فتقومِ |
أقمنا له من خّده المتصعر
قال الهروي: ﴿لا تصاعر﴾ أي لا تعرض عنهم تكبرا عليهم؛ يقال: أصاب البعير صعر وصيد إذ أصابه داء يلوي منه عنقه. ثم يقال للمتكبر: فيه صعر وصيد؛ فمعنى: ﴿لا تصعر﴾ أي لا تلزم خّدك الصعر. وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر"