عند استراقهم السمع من سماء الدنيا؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل: الظاهر والباطن؛ كما قال في موضع آخر ﴿أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ﴾
قلت: وقول ابن عباس أشبه بظاهر الحياة الدنيا، حتى لقد قال الحسن: بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ولا يحسن أن يصلي. وقال أبو العباس المبرد: قسم كسرى أيامه فقال: يصلح يوم الريح للنوم، ويوم الغيم للصيد، ويوم المطر للشرب واللهو، ويوم الشمس للحوائج. قال ابن خالويه: ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا. ﴿وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ﴾ أي عن العلم بها والعمل لها ﴿هُمْ غَافِلُونَ﴾ قال بعضهم:

ومن البلية أن ترى لك صاحبا في صورة الرجل السميع المبصر
فطنٍ بكل مصيبة في ماله وإذا يصاب بدينه لم يشعر
الآية: [٨] ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ ظرف للتفكير وليس بمفعول، تعدى إليه ﴿يَتَفَكَّرُوا﴾ بحرف جر؛ لأنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم، إنما أمروا أن يستعملوا التفكر في خلق السموات والأرض وأنفسهم، حتى يعلموا أن الله لم يخلق السموات وغيرها إلا بالحق. قال الزجاج: في الكلام حذف، أي فيعلموا؛ لأن في الكلام دليلا عليه. ﴿إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ قال الفراء: معناه إلا للحق؛ يعني الثواب والعقاب. وقيل: إلا لإقامة الحق. وقيل: ﴿بِالْحَقِّ﴾ بالعدل. وقيل: بالحكمة؛ والمعنى متقارب. وقيل: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي أنه هو الحق وللحق خلقها، وهو الدلالة على توحيده وقدرته. ﴿وَأَجَلٍ مُسَمّىً﴾ أي للسموات والأرض أجل


الصفحة التالية
Icon