إسرائيل من صلبه. وقد قيل: إن الكناية في ﴿عليه﴾ تعود على إسماعيل وأنه هو الذبيح. قال المفضل: الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل، وذلك أنه قص قصة الذبيح، فلما قال في آخر القصة: ﴿وفديناه بذبح عظيم﴾ ثم قال: ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ قال: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ. وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ ﴾ أي على إسماعيل ﴿وَعَلَى إِسْحَاقَ ﴾ كنى عنه؛ لأنه قد تقدم ذكره. ثم قال: ﴿ومن ذريتهما﴾ فدل على أنها ذرية إسماعيل وإسحاق، وليس تختلف الرواة في أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة.
قلت: قد ذكرنا أولا ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل، وأن المبشر به هو إسحاق بنص التنزيل؛ فإذا كانت البشارة بإسحاق نصا فالذبيح لا شك هو إسحاق، وبشر به إبراهيم مرتين؛ الأولى بولادته والثانية بنبوته؛ كما قال ابن عباس. ولا تكون النبوة إلا في حال الكبر و ﴿نبيا﴾ نصب على الحال والهاء في ﴿عليه﴾ عائدة إلى إبراهيم وليس لإسماعيل في الآية ذكر حتى ترجع الكناية إليه. وأما ما روي من طريق معاوية قال: سمعت رجلا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن الذبيحين؛ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال معاوية: إن عبدالمطلب لما حفر بئر زمزم، نذر لله إن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده لله، فسهل الله عليه أمرها، فوقع السهم على عبدالله، فمنعه أخواله بنو مخزوم؛ وقالوا: أفد ابنك؛ ففداه بمائة من الإبل وهو الذبيح، وإسماعيل هو الذبيح الثاني فلا حجة فيه؛ لأن سنده لا يثبت على ما ذكرناه في كتاب الأعلام في معرفة مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ ولأن العرب تجعل العم أبا؛ قال الله تعالى: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [البقرة: ١٣٣] وقال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [يوسف: ١٠٠] وهما أبوه وخالته. وكذلك ما روي عن الشاعر الفرزدق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ لو صح إسناده فكيف وفي الفرزدق نفسه مقال.
قوله تعالى: ﴿مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ ﴾ لما ذكر البركة في الذرية والكثرة قال: منهم محسن ومنهم مسيء، وإن المسيء لا تنفعه بنوة النبوة؛ فاليهود والنصارى


الصفحة التالية
Icon