وحسم داء التشهي. واختلف علماؤنا في القرعة بين الزوجات في الغزو على قولين؛ الصحيح منهما الإقراع؛ وبه قال فقهاء الأمصار. وذلك أن السفر بجميعهن لا يمكن، واختيار واحدة منهن إيثار فلم يبق إلا القرعة. وكذلك في مسألة الأعبد الستة؛ فإن كل اثنين منهما ثلث، وهو القدر الذي يجوز له فيه العتق في مرض الموت، وتعيينهما بالتشهي لا يجوز شرعان فلم يبق إلا القرعة. وكذلك التشاجر إذا وقع في أعيان المواريث لم يميز الحق إلا القرعة، فصارت أصلا في تعيين المستحق إذا أشكل. قال: والحق عندي أن تجري في كل مشكل، فذلك بين لها، وأقوى لفصل الحكم فيها، وأجلى لرفع الإشكال عنها؛ ولذلك قلنا: إن القرعة بين الزوجات في الطلاق كالقرعة بين الإماء في العتق.
الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز. وإنما كان ذلك في يونس وزمانه مقدمة لتحقيق برهانه، وزيادة في إيمانه؛ فإنه لا يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ولا يرمى به في النار أو البحر، وإنما تجرى عليه الحدود والتعزير على مقدار جنايته. وقد ظن بعض الناس أن البحر إذا هال على القوم فاضطروا إلى تخفيف السفينة أن القرعة تضرب عليهم، فيطرح بعضهم تخفيفا؛ وهذا فاسد؛ فإنها لا تخف برمي بعض الرجال وإنما ذلك في الأموال، ولكنهم يصبرون على قضاء الله عز وجل.
أخبر الله عز وجل أن يونس كان من المسبحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته؛ ولذلك قيل: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر. قال ابن عباس: ﴿من المسبحين﴾ من المصلين. قال قتادة: كان يصلي قبل ذلك لحفظ الله عز وجل له فنجاه. وقال الربيع بن أنس: لولا أنه كان له قبل ذلك عمل صالح ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ قال: ومكتوب في الحكمة - إن العمل الصالح يرفع ربه إذا عثر. وقال مقاتل: ﴿من المسبحين﴾ من المصلين المطيعين قبل المعصية. وقال وهب: من العابدين. وقال الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت؛ ولكنه قدم عملا صالحا في حال الرخاء فذكره الله به في حال البلاء، وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه، وإذا عثر وجد متكأ.