فوقع فيها الأسد؛ وازدحم الناس على الزبية فوقع فيها رجل وتعلق بآخر، وتعلق الآخر بآخر، حتى صاروا أربعة، فجرحهم الأسد فيها فهلكوا، وحمل القوم السلاح وكاد يكون بينهم قتال؛ قال فأتيتهم فقلت: أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة إناس! تعالوا أقض بينكم بقضاء؛ فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم، وإن أبيتم رفعتم ذلك إلى رسول الله ﷺ فهو أحق بالقضاء. فجعل للأول ربع الدية، وجحل للثاني ثلث الدية، وجعل للثالث نصف الدية، وجعل للرابع الدية، وجعل الديات على حفر الزبية على قبائل الأربعة؛ فسخط بعضهم ورضي بعضهم، ثم قدموا على رسول الله ﷺ فقصوا عليه القصة؛ فقال: "أنا أقضي بينكم" فقال قائل: إن عليا قد قضى بيننا. فأخبروه بما قضى علي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القضاء كما قضى علي" في رواية: فأمضى رسول الله ﷺ قضاء علي وكذلك يروى في المعرفة بالقضاء أن أبا حنيفة جاء إليه رجل فقال: إن ابن أبي ليلى - وكان قاضيا بالكوفة - جلد امرأة مجنونة قالت لرجل يا ابن الزانيين حدين في المسجد وهي قائمة. فقال: أخطأ من ستة أوجه. قال ابن العربي: وهذا الذي قال أبو حنيفة بالبديهة لا يدركه أحد بالرؤية إلا العلماء. فأما قضية علي فلا يدركها الشادي، ولا يلحقها بعد التمرن في الأحكام إلا العاكف المتمادى. وتحقيقها أن هؤلاء الأربعة المقتولين خطأ بالتدافع على الحفرة من الحاضرين عليها، فلهم الديات على من حضر على وجه الخطأ، بيد أن الأول مقتول بالمدافعة قاتل ثلاثة بالمجاذبة، فله الدية بما قتل، وعليه ثلاثة أرباع الدية بالثلاثة الذين قتلهم. وأما الثاني فله ثلث الدية وعليه الثلثان بالإثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة. وأما الثالث فله نصف الدية وعليه النصف؛ لأنه قتل واحدا بالمجاذبة فوقعت المحاصة وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه. وهذا من بديع الاستنباط. وأما أبو حنيفة فإنه نظر إلى المعاني المتعلقة فرأها ستة: الأول أن المجنون لا حد عليه؛ لأن الجنون يسقط التكليف. وهذا إذا كان القذف في حالة الجنون، وأما إذا كان يجن مرة ويفيق أخرى فإنه يحد بالقذف في حالة إفاقته. والثاني قولها يا ابن الزانيين فجلدها حدين لكل أب حد، فإنما خطأه أبو حنيفة على مذهبه في أن حد


الصفحة التالية
Icon