السلام كان قد أقدم على خطبة امرأة قد خطبها غيره، يقال: هو أوريا؛ فمال القوم إلى تزويجها من داود راغبين فيه، وزاهدين في الخاطب الأول، ولم يكن بذلك داود عارفا، وقد كان يمكنه أن يعرف ذلك فيعدل عن هذه الرغبة، وعن الخطبة بها فلم يفعل ذلك، من حيث أعجب بها إما وصفا أومشاهدة على غير تعمد؛ وقد كان لداود عليه السلام من النساء العدد الكثير، وذلك الخاطب لا امرأة له، فنبه الله تعالى على ما فعل بما كان من تسور الملكين، وما أورداه من التمثيل على وجه التعريض؛ لكى يفهم من ذلك موقع العتب فيعدل عن هذه الطريقة، ويستغفر ربه من هذه الصغيرة.
الثانية عشرة- قوله تعالى: ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ﴾ فيه الفتوى في النازلة بعد السماع من أحد الخصمين، وقبل أن يسمع من الآخر بظاهر هذا القول. قال ابن العربي: وهذا مما لا يجوز عند أحد، ولا في ملة من الملل، ولا يمكن ذلك للبشر. وإنما تقدير الكلام أن أحد الخصمين أدعى والآخر سلم في الدعوى، فوقعت بعد ذلك الفتوى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضى لأحدهما حتى تسمع من الآخر" وقيل: إن داود لم يقض للآخر حتى اعترف صاحبه بذلك. وقيل: تقديره لقد ظلمك إن كان كذلك. والله أعلم بتعيين ما يمكن من هذه الوجوه.
قلت: ذكر هذين الوجهين القشيري والماوردي وغيرهما. قال القشيري: وقوله: ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ ﴾ من غير أن يسمع كلام الخصم مشكل؛ فيمكن أن يقال: إنما قال هذا بعد مراجعة الخصم الآخر وبعد اعترافه. وقد روي هذا وإن لم تثبت روايته، فهذا معلوم من قرائن الحال، أو أراد لقد ظلمك إن كان الأمر على ما تقول، فسكته بهذا وصبره إلى أن يسأل خصمه. قال ويحتمل أن يقال: كان من شرعهم التعويل على قول المدعي عند سكوت المدعى عليه، إذا لم يظهر منه إنكار بالقول. وقال الحليمي أبو عبدالله في كتاب منهاج الدين له: ومما جاء في شكر النعمة المنتظرة إذا حضرت، أوكانت خافية فظهرت: السجود لله عز وجل. قال والأصل في ذلك قول عز وجل: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ


الصفحة التالية
Icon