الثانية- قوله تعالى: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ أي بالعدل وهو أمر على الوجوب وقد ارتبط هذا بما قبله، وذلك أن الذي عوتب عليه داود طلبه المرأة من زوجها وليس ذلك بعدل. فقيل له بعد هذا؛ فاحكم بين الناس بالعدل ﴿ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى ﴾ أي لا تقتد بهواك المخالف لأمر الله. ﴿ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي عن طريق الجنة. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي يحيدون عنها ويتركونها ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ في النار ﴿ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ أي بما تركوا من سلوك طريق الله؛ فقوله: ﴿ نَسُوا ﴾ أي تركوا الإيمان به، أو تركوا العمل به فصاروا كالناسين. ثم قيل: هذا لداود لما أكرمه الله بالنبوة. وقيل: بعد أن تاب عليه وغفر خطيئته.
الثالثة- الأصل في الأقضية قوله تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ وقوله: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ ِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾ الآية. وقد تقدم الكلام فيه.
الرابعة- قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ قال: إن ارتفع لك الخصمان فكان لك في أحدهما هوى، فلا تشته في نفسك الحق له ليفلح على صاحبه، فإن فعلت محوت اسمك من نبوتي، ثم لا تكون خليفتي ولا أهل كرامتي. فدل هذا على بيان وجوب الحكم بالحق، وألا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء نفع، أو سبب يقتضي الميل من صحبة أوصداقة، أوغيرهما. وقال ابن عباس: إنما ابتلي سليمان بن داود عليه السلام، لأنه تقدم إليه خصمان فهوي أن يكون الحق لأحدهما. وقال عبدالعزيز بن أبي رواد: بلغني أن قاضيا كان في زمن بني إسرائيل، بلغ من اجتهاده أن طلب إلى ربه