ببرده. وقال مجاهد ومقاتل: هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده. وقال غيرهما. إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره. وقال عبدالله بن عمرو: هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق. وقال قتادة: هوما يسيل من فروج الزناة ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنتن. وقال محمد بن كعب: هو عصارة أهل النار. وهذا القول أشبه باللغة؛ يقال: غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر؛ قال الشاعر:

إذا ما تذكرت الحياة وطيبها إلي جرى دمع من الليل غاسق
أي بارد. ويقال: ليل غاسق؛ لأنه أبرد من النهار. وقال السدي: الغساق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم. وقال ابن زيد: الحميم دموع أعينهم، يجمع في حياض النار فيسقونه، والصديد الذي يخرج من جلودهم. والاختيار على هذا ﴿ وَغَسَّاق ﴾ حتى يكون مثل سيال. وقال كعب: الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية. وقيل: هو مأخوذ من الظلمة والسواد. والغسق أول ظلمة اليل، وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم. وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "لوأن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا".
قلت: وهذا أشبه على الاشتقاق الأول كما بينا، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلما فيصح الاشتقاقان. والله أعلم.
قوله تعالى: ﴿ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾ قرأ أبو عمرو: ﴿ وَآخَرُ ﴾ جمع أخرى مثل الكبرى والكبر. الباقون: ﴿ وَآخَرُ ﴾ مفرد مذكر. وأنكر أبو عمرو ﴿ وَآخَرُ ﴾ لقوله تعالى: ﴿ أَزْوَاجٌ ﴾ أي لا يخبر بواحد عن جماعة. وأنكر عاصم الجحدري ﴿ وَآخَرُ ﴾ قال: ولو كانت ﴿ وَأخَرُ ﴾ لكان من شكلها. وكلا الردين لا يلزم والقراءتان صحيحتان. ﴿ وَآخَرُ ﴾ أي وعذاب آخر سوى الحميم والغساق. ﴿ مِنْ شَكْلِهِ ﴾ قال قتادة: من نحوه. قال ابن مسعود: هو


الصفحة التالية
Icon