قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ أي لا أحد أظلم ﴿ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ﴾ فزعم أن له ولدا وشريكا ﴿ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ ﴾ يعني القرآن ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ ﴾ استفهام تقرير ﴿ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي مقام للجاحدين، وهو مشتق من ثوى بالمكان إذا أقام به يثوي ثواء وثويا مثل مضى مضاء ومضيا، ولو كان من أثوى لكان مثوى. وهذا يدل على أن ثوى هي اللغة الفصيحة. وحكى أبو عبيد أثوى، وأنشد قول الأعشى:

أثوى وقصر ليلة ليزودا ومضى وأخلف من قتيلة موعدا
والأصمعي لا يعرف إلا ثوى، ويروى البيت أثوى على الاستفهام. وأثويت غيري يتعدى ولا يتعدى.
قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ في موضع رفع بالابتداء وخبره ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ واختلف في الذي جاء بالصدق وصدق به؛ فقال علي رضي الله عنه: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ النبي ﷺ ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ أبو بكر رضي الله عنه. وقال مجاهد: النبي عليه السلام وعلي رضي الله عنه. السدي: الذي جاء بالصدق جبريل والذي صدق به محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد ومقاتل وقتادة: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ المؤمنون. واستدلوا على ذلك بقوله: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ كما قال: ﴿ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ وقال النخعي ومجاهد: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ المؤمنون الذين يجيؤون بالقرآن يوم القيامة فيقولون: هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا ما فيه؛ فيكون ﴿الَّذِي﴾ على هذا بمعنى جمع كما تكون من بمعنى جمع. وقيل: بل حذفت منه النون لطول الاسم، وتأول الشعبي على أنه واحد. وقال: ﴿ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ محمد ﷺ فيكون على هذا خبره جماعة؛ كما يقال لمن يعظم هو فعلوا، وزيد فعلوا كذا وكذا. وقيل: إن ذلك عام في كل من دعا إلى توحيد الله عز وجل؛ قاله ابن عباس وغيره، واختاره الطبري. وفي قراءة ابن مسعود ﴿ وَالَّذِي جَاءَوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ وهي قراءة على التفسير. وفي قراءة أبي صالح الكوفي ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ مخففا على معنى وصدق بمجيئه


الصفحة التالية
Icon