وأن المعنى: وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم. وقيل: هو الذكر والدعاء والسؤال. قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع" ويقال الدعاء: هو ترك الذنوب. وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلهم إلا نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له أنت شاهد على أمتك، وقال تعالى لهذه الأمة: ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ وكان يقال للنبي: ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ وكان يقال للنبي ادعني استجب لك، وقال لهذه الأمة: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾.
قلت: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي. وقد جاء مرفوعا؛ رواه ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا للأنبياء كان الله تعالى إذا بعث النبي قال ادعني استجب لك وقال لهذه الأمة :﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ وكان الله إذا بعث النبي قال: ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس" ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وكان خالد الربعي يقول: عجيب لهذه الأمة قيل لها: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ أمرهم بالدعاء ووعدهم الاستجابة وليس بينهما شرط. قال له قائل: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ فها هنا شرط، وقوله: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ ﴾، فليس فيه شرط العمل؛ ومثل قوله: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ فها هنا شرط، وقوله تعالى: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ليس فيه شرط. وكانت الأمة تفزع إلى أنبيائها في حوائجها حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك. وقد قيل: إن هذا من باب المطلق والمقيد على ما تقدم في ﴿البقرة﴾ بيانه. أي ﴿ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ إن شئت؛ كقوله: ﴿ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ ﴾. وقد تكون الاستجابة في غير عين المطلوب على حديث أبي سعيد الخدري على ما تقدم


الصفحة التالية
Icon