يُسْجَرُونَ } أي يطرحون فيها فيكونون وقودا لها؛ قال مجاهد. يقال: سجرت التنور أي أوقدته، وسجرته ملأته؛ ومنه ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ أي المملوء. فالمعنى على هذا تملأ بهم النار وقال الشاعر يصف وعلا:

إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والسمسما
أي عينا مملوءة. ﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ وهذا تقريع وتوبيخ. ﴿ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ﴾ أي هلكوا وذهبوا عنا وتركونا في العذاب؛ من ضل الماء في اللبن أي خفي. وقيل: أي صاروا بحيث لا نجدهم. ﴿ بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً ﴾ أي شيئا لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع. وليس هذا إنكارا لعبادة الأصنام، بل هو اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة؛ قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ﴾ أي كما فعل بهؤلاء من الإضلال يفعل بكل كافر.
قوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي ذلكم العذاب ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ ﴾ بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخا. أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة. وقيل إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل: نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب. وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ﴾. ﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ قال مجاهد وغيره: أي تبطرون وتأشرون. وقد مضى في ﴿سبحان﴾ بيانه. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان. وروى خالد عن ثور عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين ويبغض كل حبر سمين" فأما أهل بيت لحمين: فالذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة. وأما الحبر السمين: فالمتحبر بعلمه ولا يخبر بعلمه الناس؛ يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس. ذكره الماوردي. وقد قيل في


الصفحة التالية
Icon