وقمرك وكواكبك، واجري رياحك وسحابك، وقال للأرض: شقي أنهارك واخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ في الكلام حذف أي أتينا أمرك ﴿ طَائِعِينَ ﴾. وقيل: معنى هذا الأمر التسخير؛ أي كونا فكانتا كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ فعلى هذا قال ذلك قبل خلقهما. وعلى القول الأول قال ذلك بعد خلقهما. وهو قول الجمهور. وفي قوله تعالى لهما وجهان: أحدهما أنه قول تكلم به. الثاني أنها قدرة منه ظهرت لهما فقام مقام الكلام في بلوغ المراد؛ ذكره الماوردي. ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ فيه أيضا وجهان: أحدهما أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما، ومنه قول الراجز:

امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
يعني ظهر ذلك فيه. وقال أكثر أهل العلم: بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى: قال أبو نصر السكسكي: فنطق من الأرض موضع الكعبة، ونطق من السماء ما بحيالها، فوضع الله تعالى فيه حرمه. وقال: ﴿ طَائِعِينَ ﴾ ولم يقل طائعتين على اللفظ ولا طائعات على المعنى؛ لأنهما سموات وأرضون، لأنه أخبر عنهما وعمن فيهما، وقيل: لما وصفهن بالقول والإجابة وذلك من صفات من يعقل أجراهما في الكناية مجرى من يعقل، ومثله: ﴿ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ وقد تقدم. وفي حديث: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما ﴿ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ عصياك ما كنت صانعا بهما؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما. قال: يا رب وأين تلك الدابة؟ قال: في مرج من مروجي. قال: يا رب وأين ذلك المرج؟ قال علم من علمي. ذكره الثعلبي. وقرأ ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ﴿ آتَيْا ﴾ بالمد والفتح. وكذلك قوله: ﴿ آتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ على معنى أعطيا الطاعة من أنفسكما ﴿ قَالَتَا ﴾ أعطينا ﴿ طَائِعِينَ ﴾ فحذف المفعولين جميعا. ويجوز وهو أحسن أن يكون ﴿ آتَيْنَا ﴾ فاعلنا فحذف مفعول واحد. ومن قرأ ﴿ أَتَيْنَا ﴾ فالمعنى جئنا بما فينا؛ على ما تقدم بيانه في غير ما موضع والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon