في النار أو يجزعوا ﴿ فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ﴾ أي لا محيص لهم عنها، ودل على الجزع قوله: ﴿ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا ﴾ لأن المستعتب جزع والمعتب المقبول عتابه؛ قال النابغة:

فإن أك مظلوما فعبد ظلمته وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب
أي مثلك من قبل الصلح والمراجعة إذا سئل. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة. تقول: عاتبته معاتبة، وبينهم أعتوبة يتعاتبون بها. يقال: إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب. وأعتبني فلان: إذا عاد إلى مسرتي راجعا عن الإساءة، والاسم منه العتبى، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب. واستعتب وأعتب بمعنى، واستعتب أيضا طلب أن يعتب؛ تقول: استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني. فمعنى ﴿ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا ﴾ أي طلبوا الرضا لم ينفعهم ذلك بل لا بد لهم من النار. وفي التفاسير: وإن يستقيلوا ربهم فما هم من المقالين. وقرأ عبيد بن عمير وأبو العالية ﴿ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا ﴾ بفتح التاء الثانية وضم الياء على الفعل المجهول ﴿ فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ بكسر التاء أي إن أقالهم الله وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق لهم في علم الله من الشقاء، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ ذكره الهروي. وقال ثعلب: يقال أعتب إذا غضب وأعتب إذا رضي.
قوله تعالى: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ ﴾ قال النقاش: أي هيأنا لهم شياطين. وقيل: سلطنا عليهم قرناء يزينون عندهم المعاصي، وهؤلاء القرناء من الجن والشياطين ومن الإنس أيضا؛ أي سببنا لهم قرناء؛ يقال: قيض الله فلانا لفلان أي جاءه به وأتاحه له، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ ﴾. القشيري: ويقال قيض الله لي رزقا أي أتاحه كما كنت أطلبه، والتقييض الإبدال ومنه المقايضة، قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيضان كما تقول بيعان. ﴿ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ من أمر الدنيا فحسنوه لهم حتى آثروه على الآخرة ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ حسنوا لهم ما بعد مماتهم ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة؛ عن مجاهد. وقيل: المعنى ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ ﴾ في النار ﴿ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ﴾ أعمالهم في الدنيا؛ والمعنى قدرنا عليهم أن ذلك سيكون وحكمنا به عليهم. وقيل: المعنى أحوجناهم إلى الأقران؛ أي أحوجنا


الصفحة التالية
Icon