قوله تعالى: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ ﴾ أي من أهل الجنة ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ أي صديق ملازم ﴿يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴾ أي بالمبعث والجزاء. وقال سعيد بن جبير: قرينه شريكه. وقد مضى في "الكهف" ذكرهما وقصتهما والاختلاف في اسميهما مستوفى عند قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ ﴾ [الكهف: ٣٢] وفيهما أنزل الله جل وعز: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ إلى ﴿مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ وقيل: أراد بالقرين قرينه من الشيطان كان يوسوس إليه بإنكار البعث. وقرئ: ﴿أئنك لمن المصدقين﴾ بتشديد الصاد. رواه علي بن كيسة عن سليم عن حمزة. قال النحاس: ولا يجوز ﴿أئنك لمن المصَدقين﴾ لأنه لا معنى للصدقة ها هنا. وقال القشيري: وفي قراءة عن حمزة ﴿أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴾ بتشديد الصاد. واعترض عليه بأن هذا من التصديق لا من التصدق. والاعتراض باطل؛ لأن القراءة إذا ثبتت عن النبي ﷺ فلا مجال للطعن فيها. فالمعنى ﴿أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ﴾ بالمال طلبا في ثواب الآخرة. ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ أي مجزيون محاسبون بعد الموت فـ "قال" الله تعالى لأهل الجنة: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾. وقيل: هو من قول المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف حال ذلك القرين. وقيل: هو من قول الملائكة. وليس ﴿هل أنتم مطلعون﴾ باستفهام، إنما هو بمعنى الأمر، أي اطلعوا؛ قاله ابن الأعرابي وغيره. ومنه لما نزلت آية الخمر، قام عمر قائما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم قال: يا رب بيانا أشفى من هذا في الخمر. فنزلت: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: ٩١] قال: فنادى عمر انتهينا يا ربنا. وقرأ ابن عباس: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾ بإسكان الطاء خفيفة ﴿فأُطْلِعَ﴾ بقطع الألف مخففة على معنى هل أنتم مقبلون، فأقبل. قال النحاس ﴿فأطلع فرآه﴾ فيه قولان: أحدهما: أن يكون فعلا مستقبلا معناه فأطلع أنا، ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام. والقول الثاني: أن يكون فعلا ماضيا ويكون اطلع وأطلع واحدا. قال الزجاج: يقال طلع وأطلع واطلع بمعنى واحد. وقد حكى


الصفحة التالية
Icon