تدخل على كان. ونحوه ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا ﴾ [الفرقان: ٤٢] واللام هي الفارقة بينها وبين النافية. ﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ في النار. وقال الكسائي: ﴿لتردين﴾ أي لتهلكني، والردى الهلاك. وقال المبرد: لو قيل: ﴿لتردين﴾ لتوقعني في النار لكان جائزا ﴿ولولا نعمة ربي﴾ أي عصمته وتوفيقه بالاستمساك بعروة الإسلام والبراءة من القرين السوء. وما بعد لولا مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف. ﴿لكنت من المحضرين﴾ قال الفراء: أي لكنت معك في النار محضرا. وأحضر لا يستعمل مطلقا إلا في الشر؛ قاله الماوردي.
قوله تعالى: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾ وقرئ "بمائتين" والهمزة في ﴿أفما﴾ للاستفهام دخلت على فاء العطف، والمعطوف محذوف معناه أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ولا معذبين. ﴿إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى ﴾ يكون استثناء ليس من الأول ويكون مصدرا؛ لأنه منعوت. وهو من قول أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت. وقيل: هو من قول المؤمن على جهة الحديث بنعمة الله في أنهم لا يموتون ولا يعذبون؛ أي هذه حالنا وصفتنا. وقيل: هو من قول المؤمن توبيخا للكافر لما كان ينكره من البعث، وأنه ليس إلا الموت في الدنيا. ثم قال المؤمن مشيرا إلى ما هو فيه؛ ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ يكون "هو" مبتدأ وما بعده خبر عنه والجملة خبر إن. ويجوز أن يكون ﴿هو﴾ فاصلا. ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾ يحتمل أن يكون من كلام المؤمن لما رأى ما أعد الله له في الجنة وما أعطاه قال: ﴿لمثل هذا﴾ العطاء والفضل ﴿فليعمل العاملون﴾ نظير ما قال له الكافر: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾ [الكهف: ٣٤]. ويحتمل أن يكون من قول الملائكة. وقيل: هو من قول الله عز وجل لأهل الدنيا؛ أي قد سمعتم ما في الجنة من الخيرات والجزاء، و ﴿لِمِثْلِ هَذَا ﴾ الجزاء ﴿فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾. النحاس: وتقدير الكلام - والله أعلم - فليعمل العاملون لمثل هذا. فإن قال قائل: الفاء في العربية تدل على أن الثاني بعد الأول، فكيف صار ما بعدها ينوى به التقديم؟ فالجواب أن التقديم كمثل التأخير؛ لأن حق حروف الخفض وما بعدها أن تكون متأخرة.