قوله تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً ﴾ أي تشاوروا في أمره لما غلبهم بالحجة حسب ما تقدم في "الأنبياء" بيانه فـ ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً ﴾ تملؤونه حطبا فتضرمونه، ثم ألقوه فيه وهو الجحيم. قال ابن عباس: بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا، وملأوه نارا وطرحوه فيها. وقال ابن عمرو بن العاص: فلما صار في البنيان قال: حسبي الله ونعم الوكيل. والألف واللام في ﴿الجحيم﴾ تدل على الكناية؛ أي في جحيمه؛ أي في جحيم ذلك البنيان. وذكر الطبري: أن قائل ذلك اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس وهم الترك، وهو الذي جاء فيه الحديث: "بينما رجل يمشى في حلة له يتبختر فيها فخسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" والله أعلم. ﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً ﴾ أي بإبراهيم. والكيد المكر؛ أي احتالوا لإهلاكه. ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ المقهورين المغلوبين إذ نفذت حجته من حيث لم يمكنهم دفعها، ولم ينفذ فيه مكرهم ولا كيدهم.
الآية: ٩٩ - ١٠١ ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ، رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ﴾
هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة. وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام، وذلك حين خلصه الله من النار ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾ أي مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه ﴿سَيَهْدِينِ ﴾ فيما نويت إلى الصواب. قال مقاتل: هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة، إلى الأرض المقدسة وهي أرض الشام. وقيل: ذاهب بعملي وعبادتي، وقلبي ونيتي. فعلى هذا ذهابه بالعمل لا بالبدن. وقد مضى بيان هذا في "الكهف" مستوفى. وعلى الأول بالمهاجرة إلى الشام وبيت القدس.


الصفحة التالية
Icon