لأن البراهين قد ظهرت، والحجج قد قامت، فلم يبق إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدال. قال النحاس: ويجوز أن يكون معنى ﴿لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ على ذلك القول: لم يؤمر أن يحتج عليكم يقاتلكم؛ ثم نسخ هذا. كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة: لا تصل إلى الكعبة، ثم. حول الناس بعد؛ لجاز أن يقال نسخ ذلك. ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ يريد يوم القيامة. ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه، ويجازي كلا بما كان عليه. وقيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، وقد سألا رسول الله ﷺ أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.
الآية: ١٦ ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ﴾ رجع إلى المشركين. ﴿مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ قال مجاهد: من بعد ما أسلم الناس. قال: وهؤلاء قد توهموا أن الجاهلية تعود. وقال قتادة: الذين يحاجون في الله اليهود والنصارى، ومحاجتهم قولهم نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم؛ وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل الكتاب وأنهم أولاد الأنبياء. وكان المشركون يقولون: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً﴾ [مريم: ٧٣] فقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أي لا ثبات لها كالشيء الذي يزل عن موضعه. والهاء في ﴿له﴾ يجوز أن يكون لله عز وجل؛ أي من بعد ما وحدوا الله وشهدوا له بالوحدانية. ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي من بعد ما استجيب محمد ﷺ في دعوته من أهل بدر ونصر الله المؤمنين. يقال: دحضت حجته دحوضا بطلت. وأدحضها الله. والإدحاض: الإزلاق. ومكان دَحْضَ ودَحَض أيضا


الصفحة التالية
Icon