﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾
قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: لتزيلنا عن عبادتها بالإفك. الثاني: لتصرفنا عن آلهتنا بالمنع، قال الضحاك. قال عروة بن أذينة:

إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا
يقول: إن لم توفق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا. ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ هذا يدل على أن الوعد قد يوضع موضع الوعيد. ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أنك نبي ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ﴾ بوقت مجيء العذاب. ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ لا عندي ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ عن ربكم. ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾ في سؤالكم استعجال العذاب. ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً﴾ قال المبرد: الضمير في ﴿رَأَوْهُ﴾ يعود إلى غير مذكور، وبينه قوله: ﴿عَارِضاً﴾ فالضمير يعود إلى السحاب، أي فلما رأوا السحاب عارضا. فـ ﴿عَارِضاً﴾ نصب على التكرير، سمي بذلك لأنه يبدو في عرض السماء. وقيل: نصب على الحال. وقيل: يرجع الضمير إلى قوله: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ فلما رأوه حسبوه سحابا يمطرهم، وكان المطر قد أبطأ عنهم، فلما رأوه ﴿مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ استبشروا. وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاء منه يكون غيثا، قاله ابن عباس وغيره. قال الجوهري: والعارض السحاب يعترض في الأفق، ومنه قوله تعالى: ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ أي ممطر لنا، لأنه معرفة لا يجوز أن يكون صفة لعارض وهو نكرة. والعرب إنما تفعل مثل هذا في الأسماء المشتقة من الأفعال دون غيرها. قال جرير:
يا رب غابطنا لو كان يطلبكم لاقى مباعدة منكم وحرمانا
ولا يجوز أن يقال: هذا رجل غلامنا. وقال أعرابي بعد الفطر: رب صائمة لن تصومه، وقائمة لن تقومه، فجعله نعتا للنكرة وأضافه إلى المعرفة.


الصفحة التالية
Icon