ابن سليمان: لما نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ﴾ [الأحقاف: ٩] فرح المشركون والمنافقون وقالوا: كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به ولا بأصحابه، فنزلت بعد ما رجع من الحديبية: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ أي قضينا لك قضاء. فنسخت هذه الآية تلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي سورة ما يسرني بها حمر النعم". وقال المسعودي: بلغني أنه من قرأ سورة الفتح في أول ليلة من رمضان في صلاة التطوع حفظه الله ذلك العام.
الآية: ١ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾
اختلف في هذا الفتح ما هو؟ ففي البخاري حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ قال: الحديبية. وقال جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية. وقال الفراء: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، كنا نعد مع النبي ﷺ أربع عشرة مائة، والحديبية بئر. وقال الضحاك: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ بغير قتال. وكان الصلح من الفتح. وقال مجاهد: هو منحره بالحديبية وحلقه رأسه. وقال: كان فتح الحديبية آية عظيمة، نزح ماؤها فمج فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه. وقال موسى بن عقبة: قال رجل عند منصرفهم من الحديبية: ما هذا بفتح، لقد صدونا عن البيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا". وقال الشعبي في قوله تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً﴾ قال: هو فتح الحديبية، لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان،