فلما وصل رسول الله ﷺ إلى الحديبية بركت ناقته ﷺ فقال الناس: خلأت خلأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها". ثم نزل ﷺ هناك، فقيل: يا رسول الله، ليس بهذا الوادي ماء فأخرج عليه الصلاة والسلام سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالماء الرواء حتى كفى جميع الجيش. وقيل: إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بن جندب بن عمير الأسلمي وهو سائق بدن النبي ﷺ يومئذ. وقيل: نزل بالسهم في القليب البراء بن عازب، ثم جرت السفراء بين رسول الله ﷺ وبين كفار قريش، وطال التراجع والتنازع إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامري، فقاضاه عل أن ينصرف عليه الصلاة والسلام عامه ذلك، فإذا كان من قابِلٍ أتى معتمِرا ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح، حاشا السيوف في قِربها فيقيم بها ثلاثا ويخرج، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام، يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردوه إلى المسلمين، فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام، وكان رسول الله ﷺ أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجا، فقال لأصحابه "اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه" فأنس الناس إلى قوله هذا بعد نفار منهم، وأبى سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح: من محمد رسول الله، وقالوا له: لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد فلا بد أن تكتب: باسمك اللهم. فقال لعلي وكان يكتب صحيفة الصلح: "امح يا علي، واكتب باسمك اللهم" فأبى علي أن يمحو بيده "محمد رسول الله". فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعرضه علي" فأشار إليه فمحاه رسول الله ﷺ بيده، وأمره أن