إنه يدخل مكة، فأنزل الله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ﴾ فأعلمهم أنهم سيدخلون في غير ذلك العام، وأن رؤياه ﷺ حق. وقيل: إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت، وأنه سيدخل. وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية، وأن رؤيا الأنبياء حق. والرؤيا أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء. ﴿لَتَدْخُلُنَّ﴾ أي في العام القابل ﴿الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ قال ابن كيسان: إنه حكاية ما قيل للنبي ﷺ في منامه، خوطب في منامه بما جرت به العادة، فأخبر الله عن رسول أنه قال ذلك ولهذا استثنى، تأدب بأدب الله تعالى حيث قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٣]. وقيل: خاطب الله العباد بما يحب أن يقولوه، كما قال: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾. وقيل: استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون، قاله ثعلب. وقيل: كان الله علم أنه يميت بعض هؤلاء الذين كانوا معه بالحديبية فوقع الاستثناء لهذا المعنى، قال الحسين بن الفضل. وقيل: الاستثناء من ﴿آمنين﴾، وذلك راجع إلى مخاطبة العباد على ما جرت به العادة. وقيل: معنى ﴿إن شاء الله﴾ إن أمركم الله بالدخول. وقيل: أي إن سهل الله. وقيل: ﴿إن شاء الله﴾ أي كما شاء الله. وقال أبو عبيدة: ﴿إن﴾ بمعنى ﴿إذ﴾، أي إذ شاء الله، كقوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] أي إذ كنتم. وفيه بعد، لأن ﴿إذ﴾ في الماضي من الفعل، و ﴿إذا﴾ في المستقبل، وهذا الدخول في المستقبل، فوعدهم دخول المسجد الحرام وعلقه بشرط المشيئة، وذلك عام الحديبية، فأخبر أصحابه بذلك فاستبشروا، ثم تأخر ذلك عن العام الذي طمعوا فيه فساءهم ذلك واشتد عليهم وصالحهم ورجع، ثم أذن الله في العام المقبل فأنزل الله: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ﴾. وإنما قيل له في المنام: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ فحكى في التنزيل ما قيل له في المنام، فليس هنا شك كما زعم بعضهم أن الاستثناء يدل على الشك، والله تعالى لا يشك، و ﴿لَتَدْخُلُنَّ﴾ تحقيق فكيف يكون شك. فـ ﴿إن﴾ بمعنى ﴿إذا﴾. ﴿آمِنِينَ﴾ أي من العدو. {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ


الصفحة التالية
Icon