معه تلك الأعمال. ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه. فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية. ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة. بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات المسيئة. فتدبر هذا، فإنه نظر دقيق، وبالله التوفيق.
قوله تعالى: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ اللمز: العيب، وقد مضى في "التوبة" عند قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨]. وقال الطبري: اللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان. وهذه الآية مثل قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] أي لا يقتل بعضكم بعضا، لأن المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه. وكقوله تعالى: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] يعني يسلم بعضكم على بعض. والمعنى: لا يعب بعضكم بعضا. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير: لا يطعن بعضكم على بعض. وقال الضحاك: لا يلعن بعضكم بعضا. وقرئ: ﴿ولا تُلمزوا﴾ بالضم. وفي قوله: ﴿أنفسكم﴾ تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". وقال بكر بن عبدالله المزني: إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابا، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب. وقال صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه" وقيل: من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره. قال الشاعر:



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
المرء إن كان عاقلا ورعا أشغله عن عيوبه ورعه
كما السقيم المريض يشغله عن وجع الناس كلهم وجعه