السابعة: ذهب قوم إلى أن الغيبة لا تكون إلا في الدين ولا تكون في الخلقة والحسب. وقالوا: ذلك فعل الله به. وذهب آخرون إلى عكس هذا فقالوا: لا تكون الغيبة إلا في الخَلْق والخُلُق والحسب. والغيبة في الخلق أشد، لأن من عيب صنعة فإنما عيب صانعها. وهذا كله مردود. أما الأول فيرده حديث عائشة حين قالت في صفية: إنها امرأة قصيرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته". خرجه أبو داود. وقال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح، وما كان في معناه حسب ما تقدم. وإجماع العلماء قديما على أن ذلك غيبة إذا أريد به العيب. وأما الثاني فمردود أيضا عند جميع العلماء، لأن العلماء من أول الدهر من أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدين، لأن عيب الدين أعظم العيب، فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه. وكفى ردا لمن قال هذا القول قول عليه السلام: "إذا قلت في أخيك ما يكره فقد أغتبته..." الحديث. فمن زعم أن ذلك ليس بغيبة فقد رد ما قال النبي ﷺ نصا. وكفى بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وذلك عام للدين والدنيا. وقول النبي: "من كانت عنده لأخيه مظلمة في عرضه أو ماله فليتحلله منه". فعم كل عرض، فمن خص من ذلك شيئا دون شيء فقد عارض ما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
الثامنة: لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل. وهل يستحل المغتاب؟ اختلف فيه، فقالت فرقة: ليس عليه استحلاله، وإنما هي خطيئة بينه وبين ربه. واحتجت بأنه لم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه، فليس ذلك بمظلمة يستحلها منه، وإنما المظلمة ما يكون منه البدل والعوض في المال والبدن. وقال فرقة: هي مظلمة، وكفارتها الاستغفار لصاحبها الذي اغتابه. واحتجت بحديث يروي عن الحسن قال: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. وقالت فرقة: هي مظلمة وعليه الاستحلال منها. واحتجت بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليتحلله منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيد على سيئاته". خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال وسول الله صلى الله عليه وسلم:


الصفحة التالية
Icon