لأن الحقائق لا تنفى عن منتسباتها. ألا ترى أنه ينتسب إلى أبيه دون أمه؛ ولذلك قيل في عبدالله بن عباس: إنه هاشمي وليس بهلالي وإن كانت أمه هلالية.
قلت: هذا الاستدلال غير صحيح، بل هو ولد على الحقيقة في اللغة لوجود معنى الولادة فيه، ولأن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم بنت البنت من قول الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]. وقال تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ إلى قوله ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنعام: ٨٤ - ٨٥] فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته على ما تقدم بيانه هناك. فإن قيل فقد قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا | بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
اللفظ الثالث: الذرية؛ وهي مأخوذة من ذرأ الله الخلق؛ فيدخل فيه ولد البنات لقوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ﴾ إلى أن قال ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾ [الأنعام: ٨٤ - ٨٥]. وإنما كان من ذريته من قبل أمه. وقد مضى في "البقرة" اشتقاق الذرية وفي "الأنعام" الكلام على ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ﴾ [الأنعام: ٨٤] الآية؛ فلا معنى للإعادة.