والمراد بالقعيد ها هنا الملازم الثابت لا ضد القائم.
قوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ أي ما يتكلم بشيء إلا كتب عليه؛ مأخوذ من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم. وفي الرقيب ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المتبع للأمور. الثاني: أنه الحافظ، قال السدي. الثالث: أنه الشاهد، قال الضحاك.
وفي العتيد وجهان: أحدهما: أنه الحاضر الذي لا يغيب.
الثاني: أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة. قال الجوهري: العتيد الشيء الحاضر المهيأ؛ وقد عتده تعتيدا وأعتده إعتادا أي أعده ليوم، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ [يوسف: ٣١] وفرس عَتَد وعتِد بفتح التاء وكسرها المعد للجري.
قلت وكله يرجع إلى معنى الحضور، ومنه قول الشاعر:

لئن كنت مني في العيان مغيبا فذكرك عندي في الفؤاد عتيد
قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه. وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه. وقيل: يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا، نحو أنطلق أقعد كل مما لا يتعلق به أجر ولا وزر، والله أعلم. وروي عن أبي هريرة وأنس أن النبي ﷺ قال: "ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا فيرى الله في أول الصحيفة خيرا وفي آخرها خيرا إلا قال الله تعالى لملائكته اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة". وقال علي رضي الله عنه: "إن لله ملائكة معهم صحف بيض فأملوا في أولها وفي أخرها خيرا يغفر لكم ما بين ذلك". وأخرج أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا جدي محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا سهيل بن عبدالله قال: سمعت الأعمش يحدث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الحافظين إذا نزلا على العبد أو الأمة منهما كتاب مختوم فيكتبان ما يلفظ به العبد أو الأمة فإذا أرادا أن ينهضا قال أحدهما للأخر فك الكتاب المختوم الذي معك فيفكه له فاذا فيه ما كتب سواء فذلك قوله تعالى { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ


الصفحة التالية
Icon