الرابعة- التقدم والتأخر قد يكون في أحكام الدنيا، فأما في أحكام الدين فقد قالت عائشة رضي الله عنها: أمرنا رسول الله ﷺ أن ننزل الناس منازلهم. وأعظم المنازل مرتبة الصلاة. وقد قال ﷺ في مرضه: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" الحديث. وقال: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" وقال: "وليؤمكما أكبركما" من حديث مالك بن الحويرث وقد قدم. وفهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الولاء للكبر" ولم يعن كبر السن. وقد قال مالك وغيره: إن للسن حقا. وراعاه الشافعي وأبو حنيفة وهو أحق بالمراعاة، لأنه إذا اجتمع العلماء والسن في خيرين قدم العلم، وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدين، فمن قدم في الدين قدم في الدنيا. وفي الآثار: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا وحرف لعالمنا حقه". ومن الحديث الثابت في الأفراد: "ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه". وأنشدوا:

يا عائبا للشيوخ من أشر داخله في الصبا ومن بذخ
اذكر إذا شئت أن تعيرهم جدك واذكر أباك يا ابن أخ
وأعلم بأن الشباب منسلخ عنك وما وزره بمنسلخ
من لا يعز الشيوخ لا بلغت يوما به سنه إلى الشيخ
الخامسة- قوله تعالى :﴿وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ أي المتقدمون المتناهون السابقون، والمتأخرون اللاحقون، وعدهم الله جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات. وقرأ ابن عامر ﴿وَكُلٌّ﴾ بالرفع، وكذلك هو بالرفع في مصاحف أهل الشام. الباقون ﴿وَكُلّاً﴾ بالنصب على ما في مصافحهم، فمن نصب فعلى إيقاع الفعل عليه أي وعد الله كلا الحسنى. ومن رفع فلأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل، والهاء محذوفة من وعده.


الصفحة التالية
Icon