قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ اختلف في ﴿الشُّهَدَاءُ﴾ هل هو مقطوع مما قبل أو متصل به. فقال مجاهد وزيد بن أسلم: إن الشهداء والصديقين هم المؤمنون وأنه متصل، وروي معناه عن النبي ﷺ فلا يوقف على هذا على قوله: ﴿الصِّدِّيقُونَ﴾ وهذا قول ابن مسعود في تأويل الآية. قال القشيري قال الله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ فالصديقون هم الذين يتلون الأنبياء، والشهداء هم الذين يتلون الصديقين، والصالحون يتلون الشهداء، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدق بالرسل، أعني ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ﴾. ويكون المعنى بالشهداء من شهد لله بالوحدانية، فيكون صديق فوق صديق في الدرجات، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنات العلا ليراهم من دونهم كما يرى أحدكم الكوكب الذي في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما" وروي عن ابن عباس ومسروق أن الشهداء غير الصديقين. فالشهداء على هذا منفصل مما قبله والوقف على قوله: ﴿الصِّدِّيقُونَ﴾ حسن. والمعنى ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ أي لهم أجر أنفسهم ونور أنفسهم. وفيهم قولان أحدهما: أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب، قاله الكلبي، ودليله قوله تعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً﴾ الثاني: أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة، وفيما يشهدون به قولان: أحدهما: أنهم يشهدون على أنفسهم بما عملوا من طاعة ومعصية. وهذا معنى قول مجاهد. الثاني : يشهدون لأنبيائهم بتبليغهم الرسالة إلى أممهم، قال الكلبي. وقال مقاتل قولا ثالثا: إنهم القتلى في سبيل الله تعالى. ونحوه عن ابن عباس أيضا قال: أراد شهداء المؤمنين. والواو واو الابتداء. والصديقون على هذا القول مقطوع من الشهداء.