فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ أي من تزيين الشياطين ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إذ توهموا أن المسلمين أصيبوا في السرايا، أو إذا أجروا اجتماعهم على مكايدة المسلمين، وربما كانوا يناجون النبي ﷺ فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي ﷺ ﴿وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً﴾ أي التناجي ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي بمشيئته وقيل: بعلمه. وعن ابن عباس: بأمره. ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي يكلون أمرهم إليه، ويفوضون جميع شؤونهم إلى عونه، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه.
الثانية- في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: "إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد". وعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه" فبين في هذا الحديث غاية المنع وهي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر، ذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا، فقال له وللأول: تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة. خرجه الموطأ. وفيه أيضا التنبيه على التعليل بقوله: "من أجل أن يحزنه" أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله. وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس. وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أمن ذلك، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا، لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى. وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه. وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور. وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به. وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان