صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبقوا في المجلس، فقاموا حيال النبي ﷺ على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن حول من غير أهل بدر: "قم يا فلان وأنت يا فلان" بعدد القائمين من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم، وعرف النبي ﷺ الكراهية في وجوههم، فغمز المنافقون وتكلموا بأن قالوا: ما أنصف هؤلاء وقد أحبوا القرب من نبيهم فسبقوا إلى المكان، فأنزل الله عز وجل هذه الآية. ﴿تَفَسَّحُوا﴾ أي توسعوا. وفسح فلان لأخيه في مجلسه يفسح فسحا أي وسع له، ومنه قولهم: بلد فسيح ولك في كذا فسحة، وفسح يفسح مثل منع يمنع، أي وسع في المجلس، وفسح يفسح فساحة مثل كرم يكرم كرامة أي صار واسعا، ومنه مكان فسيح.
الثانية- قرأ السلمي وزر بن حبيش وعاصم ﴿فِي الْمَجَالِسِ﴾. وقرأ قتادة وداود بن أبي هند والحسن باختلاف عنه ﴿إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا﴾ الباقون ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَلِسِ﴾ فمن جمع فلأن قوله: ﴿تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ﴾ ينبئ أن لكل واحد مجلسا. وكذلك إن أريد به الحرب. وكذلك يجوز أن يراد مسجد النبي ﷺ وجمع لأن لكل جالس مجلسا. وكذلك يجوز إن أريد بالمجلس المفرد مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يراد به الجمع على مذهب الجنس، كقولهم: كثر الدينار والدرهم.
قلت: الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو مجلس يوم الجمعة، فإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه قال صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به" ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ فيخرجه الضيق عن موضعه. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر عن


الصفحة التالية
Icon